الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وتوفي الشيخ الإمام المفنن العلامة برهان الدين إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد القرشي الغزي النوفلي الشافعي المعروف بابن زقاعة في ثاني عشر ذي الحجة بالقاهرة عن اثنتين وتسعين سنة. وزقاعه: بضم الزاي المعجمة وفتح القاف وتشديدها وبعد الألف عين مهملة مفتوحة وهاء ساكنة. وكان إمامًا عارفًا بفنون كثيرة لا سيما علم النجوم والأعشاب وله نظم كثير. وكانت له وجاهة عند الملوك بحيث إنه كان يجلس فوق القضاة. ومن شعره: أنشدنا قاضي القضاة جمال الدين محمد أبو السعادات بن ظهيرة قاضي مكة من لفظه قال: أنشدني الإمام العلامة برهان الدين إبراهيم بن زقاعة من لفظه لنفسه: رأى عقلي ولبي فيه حارا فأضرم في صميم القلب نارا وخلاني أبيت الليل ملقى على الأعتاب أحسبه نهارا إذا لام العواذل فيه جهلًا أصفه لهم فينقلبوا حيارى وما علم العواذل أن صبري وسلواني قد ارتحلا وسارا فيا لله من وجد تولى على قلبي فأعدمه القرارا ومن خب تقادم فيه عهدي فأورثني عناءً وانكسارا قضيت هواكمو عشرين عامًا وعشرينا ترادفها استتارا فنم الدمع من عيني فأبدى سرائر سر ما أخفي جهارا إذا ما نسمة البانات مرت على نجد وصافحت العرارا وصافحت الخزام وعنظوانًا وشيحًا ثم قبلت الجدارا جدار ديار من أهوى قديمًا رعى الرحمن هاتيك الديارا ألا يا لائمي دعني فإني رأيت الموت حجًا واعتمارا فأهل الحب قد سكروا ولكن صحا كل وفرقتنا سكارى ومن شعره أيضًا في فن التصوف: سألتك بالحواميم العظيمه وبالسبع المطولة القديمه وبالمسطور في رق المعاني وبالمنشور في يوم الوليمه بالكهف الذي قد حل فيه أبو فتيانها ورأى رقيمه وبالمعمور من زمن النصارى بأحجار بحجرتها مقيمه ففجر في فؤادي عين حب تروي من مشاربها صميمه قلت: وبعض تلامذته من الصوفية يزعمون أن هذه الأبيات فيها الاسم الأعظم.
: الماء القديم خمسة أذرع سواء. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا. السنة الثالثة من سلطنة المؤيد شيخ وهي سنة سبع عشرة وثمانمائة. في محرمها تجرد الملك المؤيد شيخ إلى البلاد الشامية لقتال الأمير نوروز الحافظي ومن معه من الأمراء وظفر به وقتله حسبما نذكره. وفيها قتل الأمير سيف الدين نوروز بن عبد الله الحافظي بدمشق في ليلة ثامن عشرين شهر ربيع الآخر وحملت رأسه إلى الديار المصرية وطيف بها ثم علقت على باب زويلة. وكان أصل نوروز المذكور من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن أعيان خاصكيته ثم رقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بالقاهرة ثم ولاه رأس نوبة النوب بعد الوالد لما ولي نيابة حلب ثم جعله أمير آخور كبيرًا بعد الأمير تنبك اليحياوي في سنة ثمانمائة ثم أمسكه بعد فتنة علي باي لأمر حكيناه في وقته في ترجمة الملك الظاهر برقوق وحبسه بالإسكندرية إلى أن أطلقه الملك الناصر فرج وولاه رأس نوبة الأمراء. وصار نوروز هو المشار إليه في المملكة وذلك بعد خروج أيتمش والأمراء من مصر وقع له أمور إلى أن ولي نيابة الشام ومن حينئذ ظهر أمر نوروز وانضم عليه شيخ فصار تارةً يقاتل شيخًا وتارةً يصطلحان - وقد تقدم ذكر ذلك كله في ترجمة الملك الناصر فرج - إلى أن واقعا الملك الناصر بمن معهما في أوائل المحرم سنة خمس عشرة وانكسر الناصر وحوصر بدمشق إلى أن أخذ وقتل. وتقاسم شيخ ونوروز الممالك والخليفة المستعين هو السلطان. فأخذ شيخ الديار المصرية وصار أتابكًا بها وأخذ نوروز البلاد الشامية وصار نائب الشام. فلما تسلطن الملك المؤيد شيخ خرج نوروز عن طاعته ووقعت أمور حكيت من أول ترجمة الملك المؤيد إلى أن خرج الملك المؤيد لقتاله فظفر به وقتله. وكان نوروز ملكًا جليلًا كريمًا شجاعًا مقدامًا عارفًا عاقلًا مدبرًا وجيهًا في الدول وهو أحد أعيان مماليك الظاهر برقوق معدودًا من الملوك. طالت أيامه في الرياسة وعظمت شهرته وبعد صيته في الأقطار. وكان متجملًا فى مماليكه وحشمه. بلغت عدة مماليكه زيادة على ألف مملوك وكانت جامكية مماليكه بالشام من مائة دينار إلى عشرة دنانير. ومات عن مماليك كثيرة وترقوا بعده إلى المراتب السنية حتى إن كل من ذكرناه من بعده ونسبناه بالنورزي فهو مملوكه وعتيقه وفي هذا كفاية. وقتل معه جماعة من أعيان الأمراء حسبما نذكرهم أولًا بأول. وفيها قتل من أصحاب نوروز الأمير سيف الدين يشبك بن أزدمر الظاهري رأس نوبة النوب ثم نائب حلب وكان ممن انضم مع نوروز بعد وفاة الوالد فإن الوالد كان أخذه عنده بدمشق لما ولي نيابتها وجعله الملك الناصر أتابكًا بها وعقد الوالد عقده على ابنته وسنها نحو أربع سنين لئلا يصل إليه من الملك الناصر سوء. ودام يشبك مع نوروز إلى أن قبض عليه وقتل بدمشق حسبما تقدم ذكره. وكان رأسًا في الشجاعة والإقدام شديد القوة في الرمي بالنشاب إليه المنتهى فيه. وفيها قتل الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله الظاهري المعروف بطوخ بطيخ نائب حماة وهو أحد أصحاب نوروز. ذبح بدمشق مع نوروز وغيره. وفيها قتل الأمير سيف الدين قمش بن عبد الله الظاهري نائب طرابلس وهو أيضًا من وفيها توفي الأمير الكبير سيف الدين يلبغا الناصري الظاهري أتابك العساكر بالديار المصرية في ليلة الجمعة ثاني شهر رمضان بالقاهرة بعد عوده من الشام صحبة السلطان. وهو أيضًا من أصحاب نوروز ومن أعيان خاصكية الملك الظاهر برقوق وأحد مماليكه وترقى في الدولة الناصرية إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية وقد مر من ذكره نبذة كبيرة في دولة الناصر ثم المؤيد وهو ثالث من ولي الأتابكية بديار مصر وثالث من نعت بيلبغا الناصري في الدولة التركية فالأول منهم يلبغا العمري الناصري صاحب الكبش وأستاذ برقوق. والثاني الأتابك يلبغا الناصري اليلبغاوي صاحب الوقعة مع الملك الظاهر برقوق ونسبته بالناصري إلى تاجره خواجا ناصر الدين وهو مملوك يلبغا السابق ذكره - انتهى. والثالث يلبغا الناصري هذا وهو من مماليك برقوق ونسبته بالناصري إلى تاجره خواجا ناصر الدين. وقد ذكرنا هؤلاء الثلاثة في تاريخنا المنهل الصافي في محل واحد في حرف الياء كون الاسم والشهرة واحدة. وتوفي الأمير سيف الدين شاهين بن عبد الله الظاهري الأفرم أمير سلاح برملة لد وهو عائد إلى مصر صحبة السلطان إلى حلب من جرح أصابه. وكان أميرًا شهمًا شجاعًا رأسًا في ركوب الخيل وفن الفروسية. وقد تقدم أن الفروسية نوع آخر غير الشجاعة والإقدام فالشجاع هو الذي يلقي غريمه بقوة جنان وفارس الخيل هو الرجل الذي يحسن تسريح الفرس في كرة وفره ويدري ما يلزمه من أمور فرسه وسلاحه وتدبير ذلك كله بحيث إنه يسير في ذلك على القوانين المقررة المعروفة بين أرباب هذا الشأن. قلت: نادرة أخرى وشاهين هذا هو أيضًا ثالث أفرم من أعيان الملوك في دولة التركية. فالأول منهم: الأفرم الكبير صاحب الرباط في بركة الحبش والأملاك الكثيرة وهو الأمير عز الدين أيبك أمير جاندار الظاهر بيبرس والمنصور قلاوون. والثاني آقوش الدواداري المنصوري الأمير جمال الدين نائب الشام. والثالث شاهين هذا. فهؤلاء من الملوك وأما غير الملوك فكثير لا يعتد بذكرهم. وتوفي الأمير سيف الدين جاني بك بن عبد الله المؤيدي الدوادار بمدينة حمص وهو متوجه صحبة السلطان إلى حلب من جرح أصابه في محاربة نوروز. وكان من أعيان مماليك المؤيد أيام إمرته فلما تسلطن رقاه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه وجعله دوادارًا ثانيًا ثم ولاه الدوادارية الكبرى بعد مسك طوغان الحسني فلم تطل مدته وخرج إلى التجريدة وجرح ومات. وكان عنده شجاعة وإقدام مع تيه وشمم وتكبر. وتولى خشداشه الأمير آقباي المؤيدي الخازندار عوضه الدوادارية الكبرى. وتوفي قاضي مكة ومفتيها وخطيبها جمال الدين أبو حامد محمد بن عفيف الدين عبد الله بن ظهيرة القرشي المخزومي المكي الشافعي بمكة في ليلة سابع عشرين شهر رمضان عن نحو سبع وستين سنة. ومات ولم يخلف بعده بالحجاز مثله. وتوفي قاضي الحنفية بالمدينة النبوية الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن نور الدين علي المدني الحنفي بها وقد أناف على سبعين سنة بعد أن ولي قضاء المدينة ثلاثًا وثلاثين سنة مع حسبتها وشكرت سيرته. وتوفي بالقاهرة الشريف سليمان بن هبة الله بن جماز بن منصور الحسيني المدني أمير المدينة النبوية وهو معزول بسجن قلعة الجبل وقد ناهز الأربعين سنة من العمر. وتوفي العلامة فريد عصره قاضي قضاة زبيد مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الفيروزابادي الشيرازي الشافعي اللغوي النحوي صاحب كتاب القاموس في اللغة في ليلة العشرين من شوال عن ثمان وثمانين سنة وأشهر وهو متمتع بحواسه. وكان إمامًا بارعًا نحويًا لغويًا مصنفًا. طاف البلاد ورأى المشايخ وأخذ عن العلماء وقدم مصر وأقرأ بها ثم توجه إلى اليمن وولى قضاء زبيد نحو عشرين سنة حتى مات. أنشدنا الشيخ أبو الخير المكي من لفظه قال: أنشدني الأديب الفاضل علي بن محمد بن حسين بن عليف المكي العكي لو مد مجد الدين في أيامه من بعض أبحر علمه القاموسا ذهبت صحاح الجوهري كأنها سحر المدائن يوم ألقى موسى وقد استوعبنا مصنفاته في تاريخنا المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي إذ هو محل الإطناب في التراجم. وأما ما أثبت له من الشعر: أنشدنا الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر إجازة قال: أنشدنا العلامة مجد الدين الفيروزابادي لنفسه إجازة إن لم يكن سماعًا: الوافر أحبتنا الأماجد إن رحلتم ولم ترعوا لنا عهدًا وإلا نودعكم ونودعكم قلوبًا لعل الله يجمعنا وإلا أعترض عليه في وإلا الثانية فإنها من غير توطئة - انتهى. أخبرني الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله قال: أخبرني الشيخ الإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزابادي من لفظه بمكة في ذي الحجة سنة تسعين وسبعمائة أنه حضر بستانًا بدمشق وقد جمع فيه الإمام العلامة جمال الدين أحمد بن محمد الشريشي الشافعي وجماعة من أعيان دمشق لمأدبة في يوم الثلاثاء العشرين من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة وكان ممن حضر المجلس العلامة بدر الدين محمد ابن الشيخ جمال الدين الشريشي المذكور ومعه ما ينيف على أربعين سفرًا من كتب اللغة منها صحاح الجوهري فأخذ كل من الحاضرين - وهم: الشيخ عماد الدين بن كثير والشيخ صلاح الدين الصفدي وشمس الدين الموصلي وصدر الدين بن العز وجماعة أخر - في يده سفرًا من تلك الأسفار وامتحن البدر بن الشريشي في السؤال عن الأبيات المستشهد بها فأنشد كل ما وقع في تلك الكتب وتكلم على المواد اللغوية من غير أن يشذ عنة شيء منها وتكلم عليها بكلام مفيد متقن فجزم الحاضرون أنه يحفظ جميع شواهد اللغة وكتبوا له أجائز بذلك ومن جملة من كتب له الشيخ مجد الدين هذا - انتهى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع سواء. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وخمسة أصابع. السنة الرابعة من سلطنة المؤيد شيخ وهي سنة ثماني عشرة وثمانمائة. فيها في شهر رجب تجرد السلطان الملك المؤيد شيخ إلى البلاد الشامية لقتال الأمير قاني باي نائب الشام ومن معه حسبما تقدم ذكره من قتاله لهم وقتله إياهم - يأتي ذكر الجميع في هذه السنة. وأول من قتله منهم الأمير قاني باي المحمدي الظاهري نائب الشام في العشر الأوسط من شعبان بحلب وحملت رأسه إلى القاهرة وطيف بها ثم علقت أيامًا. وكان أصل قاني باي هذا من مماليك الملك الظاهر برقوق وأعيان خاصكيته ثم تأمر في الدولة الناصرية فرج إمرة مائة وتقدمة ألف ثم صار في دولة الملك المؤيد شيخ رأس نوبة النوب ثم أمير آخور كبيرًا وسكن باب السلسلة على العادة وعمر مدرسته برأس سويقة منعم من الصليبة بالشارع الأعظم. ثم ولي نيابة دمشق بعد الأمير نوروز الحافظي بعد خروجه عن الطاعة فباشر نيابة دمشق إلى أن أشيع عنه الخروج عن الطاعة. وطلبه الملك المؤيد شيخ إلى القاهرة ليستقر أتابكًا بها وولى عوضه نيابة دمشق الأتابك ألطنبغا العثماني فلما بلغ قاني باي ذلك خرج عن الطاعة بعد أيام وقاتل أمراء دمشق وملك دمشق ووافقه الأمير إينال الصصلاني نائب حلب والأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس والأمير تنبك البجاسي نائب حماة والأمير طرباي نائب غزة. وخرج إليه الملك المؤيد مخفًا وقاتله بظواهر حلب حسبما ذكرنا ذلك كله في أصل ترجمة الملك المؤيد من هذا الكتاب فظفر به بعد أيام وقتله. وكان قاني باي من أجل خاصكية الملك الظاهر برقوق وعنده رياسة وحشمة وتجمل ومات وسنه دون الأربعين. وفيها قتل الأمير صيف الدين إينال بن عبد الله الصصلاني الظاهري نائب حلب وأحد أصحاب قاني باي المقدم ذكره في العشر الأوسط من شعبان. وكان اصله أيضًا من أعيان خاصكية الملك الظاهر برقوق ومماليكه. وتأمر أيضًا في دولة الملك الناصر فرج إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف وحاجب الحجاب ثم صار في دولة المؤيد أمير مجلس ثم نقل إلى نيابة حلب بعد قتل نوروز الحافظي إلى أن خرج قاني باي نائب الشام عن الطاعة ووافقه إينال هذا إلى أن كان من أمرهم ما كان. وقتل وحملت رأسه أيضًا إلى القاهرة مع رأس قاني باي. وكان إينال المذكور أميرًا شجاعًا مقدامًا كريمًا عاقلًا سيوسًا معدودًا من الفرسان - رحمه الله تعالى. وفيها قتل الأمير سيف الدين تمان تمر اليوسفي الظاهري أتابك حلب - المعروف بأرق - معهما في التاريخ المقدم ذكره وحملت رأسه أيضًا إلى مصر. وكان تمان تمر أيضًا من أعيان المماليك الظاهرية وترقى بعد موت الملك الظاهر حتى ولي إمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر ثم صار أمير جاندار إلى أن قبض عليه الملك المؤيد شيخ وحبسه مدة ثم أطلقه وولاه أتابكية حلب فلما خرج قاني باي وإينال نائب حلب وافقهما مع من وافقهما من الأمراء والنواب حتى قبض عليهم ووقع من أمرهم ما وقع. وكان أيضًا من الشجعان وكان تركي الجنس. وفيها قتل أيضًا الأمير سيف الدين جرباش بن عبد الله الظاهري المعروف بكباشة حاجب حجاب حلب وصلت رأسه إلى القاهرة. وكان أيضًا من المماليك الظاهرية برقوق وتأمر في الدولة الناصرية فرج والمؤيدية شيخ إلى أن أخرجه الملك المؤيد منفيًا إلى القدس ثم استقر به في حجوبية حلب إلى أن كان من أمر قاني باي وإينال ما كان فقتل معهما وقتل غير هؤلاء أيضًا خلائق في الوقعة وغيرها. وفيها توفي قاضي القضاة شمس الدين محمد ابن العلامة جلال الدين رسولا بن يوسف التركماني الحنفي المعروف بابن التباني قاضي قضاة دمشق بها في يوم الأحد ثامن عشرين شهر رمضان. وكان إمامًا عالمًا فاضلًا معدودًا من فقهاء الحنفية. وتوفي الوزير الصاحب سعد الدين إبراهيم بن بركة المعروف بابن البشيري بالقاهرة في يوم الأربعاء رابع عشر صفر. ومولده في ليلة السبت سابع ذي القعدة سنة ست وستين وسبعمائة بالقاهرة. وكان معدودًا من رؤساء الأقباط. تنقل في عدة وظائف إلى أن ولي الوزر غير مرة ونظر الخاص. وتوفي الشيخ زين الدين حاجي بن عبد الله الرومي الحنفي شيخ التربة الناصرية التي أنشأها الملك الناصر فرج على قبر أبيه الملك الطاهر برقوق بالصحراء في ليلة الخميس رابع شوال واستقر عوضه في مشيختها الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد البساطي المالكي بعناية الأمير ططر نائب الغيبة. وتوفي الشيخ المعتقد الصالح محمد الديلمي في رابع ذي الحجة ودفن بالقرافة. وكان للناس فيه اعتقاد ويقصد للزيارة للتبرك به. وتوفي الملك أميرزه إسكندر بن أميرزه عمر شيخ بن تيمورلنك صاحب بلاد فارس. وكان ملكها بعد قتل أخيه أميرزه محمد ودام إسكندر على ملك فارس سنين إلى أن بدا له مخالفة عمه شاه رخ بن تيمورلنك فسار إليه شاه رخ المذكور وقاتله وأسره وسمل عينيه بعد أمور وحروب وأقام شاه رخ عوضه أخاه رستم بن أميرزه عمر شيخ فجمع إسكندر المذكور جمعًا ليس بذلك وقدم عليهم ابنه وجهزهم إلى أخيه رستم فخرج إليهم رستم المذكور وقاتلهم وهزمهم وأخذ إسكندر هذا أسيرًا ثم قتله بأمر عمه شاه رخ. وكان إسكندر المذكور ملكًا فاضلًا ذكيًا فطنًا يكتب المنسوب إلى الغاية في الحسن وبخطه ربعة عظيمة بمكة المشرفة. وكان حافظًا للشعر ويقوله باللغة العجمية والتركية وكانت لديه فضيلة ومشاركة في فنون. وفيها قتل الأمير الكبير سيف الدين دمرداش بن عبد الله المحمدي الظاهري بسجن الإسكندرية في يوم السبت ثامن عشر المحرم. وكان دمرداش هذا من أعيان مماليك الظاهر برقوق وترفق في أيام أستاذه إلى أن ولي أتابكية دمشق ثم نيابة حماة ثم نيابة طرابلس. ثم أمسكه برقوق وحبسه ساعة وأطلقه بسفارة الوالد لما ولي نيابة حلب فجعله الظاهر أتابك العساكر بحلب ثم نقله ثانيًا إلى نيابة حماة ثم نقله إلى نيابة حلب بعد واقعة تنم الحسني نائب الشام. وقدم تيمورلنك البلاد الشامية في نيابته ثم خرج عن الطاعة مع الوالد ووقع له بعد ذلك أمور وحروب وخطوب - تقدم ذكرها في ترجمة الملك الناصر فرج ثم في ترجمة الملك المؤيد شيخ. ومحصول هذا كله أنه ولي أتابكية العساكر بالديار المصرية بعد الوالد ثم ولي نيابة الشام بعدها أيضًا بحكم وفاته. ثم فر من الملك الناصر فرج لما حوصر بدمشق إلى البلاد الحلبية ودام بها إلى أن كانت فتنة نوروز وتولى ابن أخيه قرقماس سيدي الكبير نيابة الشام عوضًا عن نوروز وطلبه الملك المؤيد فقدم عليه من البحر وقد عاد قرقماس إلى مصر فقبض الملك المؤيد عليهما وأرسل قبض على ابن أخيه تغري بردي سيدي الصغير من صالحية بلبيس وقال: هؤلاء أهم من الأمير نوروز وقتل تغري بردي سيدي الصغير في يوم عيد الفطر سنة ست عشرة ثم قتل أخاه قرقماس سيدي الكبير بسجن الإسكندرية وأبقى عمهما دمرداش هذا إلى هذا اليوم فقتله. وقد تقدم من ذكر دمرداش ما فيه غنية عن ذكره هنا ثانيًا. وفيها قتل الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله المحمدي الظاهري المعروف بسودون تلي - أي مجنون - في يوم السبت ثامن عشر المحرم بسجن الإسكندرية مع الأمير دمرداش المقدم ذكره. وكان سودون أيضًا من أعيان المماليك الظاهرية برقوق وترقى في دولة الملك الناصر فرج إلى أن صار أمير آخور كبيرًا. ثم خرج عن طاعة الملك الناصر ووقع له أمور وانضم على الأميرين شيخ ونوروز ودام معهما سنين إلى أن انكسر الملك الناصر وقتل فقدم القاهرة - صحبة الأمير الكبير شيخ في خدمة الخليفة - على أعظم إقطاعات مصر. وكان سودون يميل إلى نوروز أكثر من شيخ غير أن نوروز أرسله مع الأمير شيخ هو والأمير بكتمر جلق صفة الترسيم ليمنعاه من الوثوب على السلطنة فمات بكتمر بعد أشهر فتلاشى أمر سودون المذكور فأخذ الملك المؤيد يخادعه إلى أن استفحل أمره فقبض عليه وحبسه بالإسكندرية إلى أن قتله في التاريخ المذكور. وفيها أيضًا قتل الأمير سيف الدين أسنبغا الزردكاش أحد المماليك الظاهرية برقوق أيضًا بسجن الإسكندرية مع دمرداش وسودون المحمدي. وكان أسنبغا ممن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية في دولة الملك الناصر فرج وجعله بديار مصر في سفرته التي قتل فيها ودام بمصر إلى أن قبض عليه الملك المؤيد وحبسه بالإسكندرية ثم قتله في التاريخ المقدم ذكره. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع ونصف. ومبلغ الزيادة عشرون ذراعًا سواء. وهي سنة تسع عشرة وثمانمائة. فيها توفي الأمير سيف الدين تنبك بن عبد الله المؤيدي شاد الشراب خاناه وأحد أمراء الطبلخانات في سادس عشرين صفر وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني. وكان من أكابر المماليك المؤيدية خصيصًا عند السلطان مشكور السيرة. وتوفي أستادار الوالد الأمير الوزير شهاب الدين أحمد ابن الحاج عمر بن قطينة في يوم الأحد ثاني عشرين المحرم. وكان يباشر في بيوت الأمراء واتصل بخدمة الوالد سنين ثم ولي الوزارة في الدولة الناصرية دون الأسبوع في سنة اثنتين وثمانمائة وعزل وعاد إلى أستادارية الوالد وتصرف مع ذلك في عدة أعمال وكان معدودًا من أعيان المصريين. وتوفي الشيخ الإمام نجم الدين بن فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدايم الحنبلي في هذه السنة. وكان من أعيان فقهاء الحنابلة. وتوفي الشيخ الإمام العلامة همام الدين محمد بن محمد الخوارزمي الشافعي شيخ المدرسة الناصرية المعروفة بالجمالية برحبة باب العيد بالقاهرة. وكان عالمًا في عدة فنون. وتوفي القاضي شهاب الدين أحمد بن أبي أحمد الصفدي ناظر البيمارستان المنصوري بالقاهرة وناظر الأحباس في ثاني عشر شهر ربيع الأول. وكان أولًا يباشر التوقيع بخدمة الملك المؤيد شيخ في أيام إمرته فلما رشح للسلطنة خلع عليه بنظر البيمارستان واستقر القاضي ناصر الدين بن البارزي عوضه في توقيع الأمير شيخ فوصل بذلك إلى وظيفة كتابة السر. وتوفي قاضي القضاة أمين الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي قاضي قضاة الديار المصرية في ليلة السبت سادس عشرين شهر ربيع الأول وقد تجاوز أربعين سنة. وكان مشكور السيرة قليل البضاعة. وتوفي الأمير سيف الدين قماري بن عبد الله شاد السلاح خاناه وأمير الركب الأول من الحاج في رابع عشرين شوال في وادي القباب وهو متوجه إلى الحج. وتوفي الشيخ الإمام المحدث تقي الدين أبو بكر بن عثمان بن محمد الجيتي الحنفي قاضي العسكر بالديار المصرية بها. وكان من الفضلاء معدودًا من فقهاء الحنفية ونحاتهم وكان وجيهًا في الدولة المؤيدية شيخ إلى الغاية. وتوفي الأمير سيف الدين أرغون بن عبد الله من بشبغا الظاهري الأمير آخور - كان - في الدولة الناصرية فرج بالقدس بطالًا في يوم الجمعة ثالث ذي القعدة. وكان دينًا خيرًا عفيفًا عن المنكرات والفروج. وهو أحد أعيان المماليك الظاهرية وخشداش الوالد كلاهما جلبه خواجا وتوفي الطواشي زين الدين مقبل بن عبد الله الأشقتدري رأس نوبة الجمدارية في ليلة الاثنين رابع عشر شهر ربيع الآخر ودفن بمدرسته التي بخط التبانة. وكان رومي الجنس ولديه فضيلة. وتوفي قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابن قاضي القضاة كمال الدين عمر بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن أبي جرادة وابن العديم الحلبي الحنفي قاضي قضاة الديار المصرية بها بعد مرض طويل في ليلة السبت تاسع شهر ربيع الآخر عن سبع وعشرين سنة بعد ما ولي القضاء نحو ثماني سنين على أنه صرف منها مدة. وكان عالمًا ذكيًا فطنًا مع طيش وخفة ومهابة وحرمة وثروة وحشم. وقد ثلمه الشيخ تقي الدين المقريزي بقوادح ليست فيه والإنصاف في ترجمته ما ذكرناه وأنا أعرف بحاله من الشيخ تقي الدين وغيره لكونه كان زوج كريمتي ومات عنها. وتولى القضاء بعده الشيخ شمس الدين محمد الديري الحنفي القدسي بعد أشهر. وتوفي الشيخ الإمام العالم العلامة عز الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر ابن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة مطعونًا في يوم الأربعاء العشرين من شهر ربيع الأول. ومولده بمدينة الينبع بأرض الحجاز سنة تسع وخمسين وسبعمائة. وكان بارعًا مفننًا إمامًا في العلوم العقلية مشاركًا في عدة فنون وبه تخرج غالب علماء عصرنا. وكان احترز على نفسه من الطاعون واحتمى عن المغلظات وسلك طريق الحكماء واستعمل الأشياء الدافعة للطاعون والخم وأكثر من ذلك إلى أن طعن وهو أعظم ما يكون من الاحتراز فما شاء الله كان. وتوفي الصاحب الوزير تقي الدين عبد الوهاب ابن الوزير الصاحب فخر الدين عبد الله ابن الوزير الصاحب تاج الدين موسى بن علم الدين أبي شاكر ابن تاج الدين أحمد بن شرف الدولة إبراهيم ابن الشيخ سعيد الدولة بالقاهرة في يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة. وكان مشكور السيرة يتنصل من صحبة الأقباط أبناء جنسه ويتدين ويصحب الصلحاء من المسلمين ولا يدخل في بيته أحدًا من نسوة النصارى البتة - رحمه الله تعالى. وتوفيت خوند عائشة أخت الملك الظاهر برقوق بنت الأمير آنص الجاركسية أم الأتابك بيبرس في ليلة الأحد رابع عشر ذي القعدة بعد سن عال وهي الصغرى من أخوة برقوق. وتوفي الشيخ زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن ابن الشيخ شمس الدين أبي أمامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدكالي الشافعي المعروف بابن النقاش خطيب جامع أحمد بن طولون في يوم عيد النحر. وكان يعظ ولكلامه موقع في القلوب مع فضيلة تامة ودين متين وقيام في ذات الله تعالى. وتوفي قاضي القضاة شمس الدين محمد بن علي بن معبد المقدسي المعروف بالمدني المالكي في يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الأول عن سبعين سنة. وكان مشكور السيرة في ولايته بالعفة على أن بضاعته من العلم كانت مزجاة. وتوفيت خوند ستيتة بنت الملك الناصر فرج زوجة المقام الصارمي إبراهيم ابن الملك المؤيد شيخ في شهر ربيع الأول وهي كبر أولاد الناصر وهي التي كان تزوجها بكتمر جلق في حياة والدها وسنها دون عشر سنين. وفيها كان الطاعون والغلاء بالديار المصرية حسبما تقدم ذكره. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع ونصف. مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا سواء كالعام الماضي.
|